في 19 أكتوبر 2000 دافع الجنرال انطوني زيني القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية الوسطى USCENTCOM في شهادته أمام لجنة الخدمات العسكرية في الكونغرس الأمريكي، بعد أسبوع من الحادث الإرهابي الذي استهدف المدمرة الأمريكية USS COLE في ميناء عدن، أهمية العلاقات اليمنية - الأمريكية من منظور سياسي وعسكري واستراتيجي، وعلى الرغم من حراجة اللحظات حينها بالنسبة للعلاقات بين البلدين إلا أن الجنرال تبين بنظرته الفاحصة أهمية تطوير سياسة الاقتراب الشامل من اليمن.
وتعود العلاقات اليمنية الأمريكية إلى العام 1959 حينما أقامت الولايات المتحدة الأمريكية ممثلية مقيمه في مدينة تعز اليمنية. وليس هنا المجال لحصر العلاقات الثنائية بين البلدين، إلا انه من المهم إبراز أهم محطات العلاقات الثنائية، وعلى النحو التالي:
• شكل اعتراف إدارة الرئيس كينيدي في 19 ديسمبر 1962 بقيام الجمهورية العربية اليمنية نقطة مفصلية في العلاقات الثنائية.
• شهدت الفترة من 67- 1970 انقطاعا في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إلا أنها عادت للازدهار بعد حرب 1978 عقب المواجهات مع النظام في الجنوب، وتطورت العلاقات العسكرية تحت مظلة حماية منطقة الجزيرة والخليج في وجه المد الشيوعي.
• في ابريل 1987 أجرى نائب الرئيس الأمريكي حينذاك جورج بوش زيارة عمل هامة للجمهورية اليمنية أسست لاستيعاب الولايات المتحدة اللاحق لأهمية علاقاتها باليمن, وكانت مناسبة لدخول الاستثمارات النفطية الأمريكية إلى بلادنا.
• شهدت العلاقات بين البلدين تدهورا في الفترة التي سبقت حرب الخليج الثانية، وترتب عن ذلك إقفال مكتب الوكالة الأمريكية للتنمية، وإنهاء التعاون العسكري.
• في يناير 1990 أجرى فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح زيارة تاريخية هامة للولايات المتحدة الأمريكية. وجاءت الزيارة قبل بضعة اشهر من قيام الجمهورية اليمنية.
• خلال النصف الثاني من سنوات التسعينيات بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تبدي اهتماما متزايدا بالجمهورية اليمنية، وشكل دعم أمريكا للوحدة اليمنية أمام المحاولة الانفصالية ركيزة للتطور اللاحق في العلاقات الثنائية.
• شهدت السنوات الأخيرة، وتحديدا بعد حادثة المدمرة كول، والأحداث التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية في 11 سبتمبر انتعاش العلاقات الثنائية، وزيادة الدعم الأمريكي لجهود التنمية في اليمن، وتدعيم التجربة الديمقراطية وزيادة التعاون العسكري والأمني.
• أسهمت التحولات الديمقراطية العميقة التي شهدتها الجمهورية اليمنية منذ قيامها في تطوير التقارب بين الدولتين، من خلال دعم المنظمات السياسية وغير الحكومية التي تعنى بالتجارب الديمقراطية بالجمهورية اليمنية باعتبارها احد ابرز تجارب الديمقراطيات الناشئة في العالم.
لقد مرت العلاقات اليمنية الأمريكية خلال العام المنصرم بتحديات أثبتت تماسكها وقدرتها على البقاء والنماء. ففي 9/12/2002 تعرضت سفينة شحن كورية شمالية محملة بشحنة صواريخ سكود مشتراة لصالح وزارة الدفاع اليمنية، لاعتراض القوات الأسبانية العاملة ضمن قوات التحالف الدولي في عملية "الحرية الدائمة" في منطقة البحر العربي.
وخلال الـ 24 ساعة التالية للحادث تبادلت القيادات السياسية في صنعاء وواشنطن الاتصالات الدبلوماسية، ونشطت وزارتا الخارجية في البلدين لتبيان أبعاد الصفقة في ضوء القانون الدولي وأثرها على علاقات البلدين وتحالفهما لمكافحة الإرهاب. فيما يلي ابرز عناصر التحليل في قضية شحنة الأسلحة:
• انطلق التحرك الدبلوماسي اليمني من تبيان شرعية الصفقة ضمن جهود اليمن وقواتها المسلحة للدفاع عن السيادة الوطنية، وتحقيق استتباب الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.
• اعتماد مبادئ القانون الدولي للدفاع عن مشروعية الصفقة وفقا للاتفاقيات الدولية المرعية، الأمر الذي جعل الإدارة الأمريكية تؤكد أنها بعد الإمعان في الموضوع، فانه لا يوجد نص في القانون الدولي يمنع اليمن من تسلّم صواريخ من كوريا الشمالية، وبعد التأكد من أن الشحنة تتبع القوات المسلحة اليمنية ولن تذهب إلى أي دولة إرهابية محتملة.
• على الرغم من محاولات بعض الأطراف التي لها مصلحة في تعقيد علاقات الشراكة بين اليمن وأمريكا، في تضخيم القضية ومحاولة تقديمها من زاوية فشل الدبلوماسية الأمريكية لاستثارة المشاعر، إلا أن الصراحة والمباشرة والانطلاق من مبادئ راسخة في القانون الدولي، أفشلت رهان الاصطياد في الماء العكر، ورجحت فكرة التحالف وتعميق الشراكة على غيرها.
على أن تجربة شحنة الصواريخ الكورية ليست هي التحدي الوحيد الذي تعرضت له علاقة البلدين فقد شهد العام المنصرم تحديات أخرى عززت علاقات الشراكة المسؤولة بين البلدين، ونجاحاتهما المشتركة في مكافحة الإرهاب. وكان الحادث الإرهابي الذي استهدف ناقلة النفط الفرنسية ليمبرغ في ميناء المكلا بمحافظة حضرموت في 5 أكتوبر 2002، نموذجا يؤكد أن الإرهاب يحتاج إلى تظافر الجهود الدولية لمحاربته.
لقد مرت العلاقات اليمنية الأمريكية بمراحل تشكّل وتعمق المصالح المشتركة وكانت العلاقات بين البلدين ومازالت رغم سنوات الشد والجذب جيدة عموما. وينطلق الاهتمام الأمريكي باليمن من موقعها الجغرافي الهام ووجودها في منطقة تقاطع الممرات المائية الدولية، إضافة إلى جوارها لأهم مصادر النفط، ونهجها الديمقراطي الذي يمثل نموذجا يحتذى به في المنطقة. وأخيرا أصبحت اليمن شريكا مهما في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب في الإقليم. ومن هنا فقد شهدت السنوات الأخيرة نشاطا ملحوظا في العلاقات الثنائية، وبدأت تتوفر الرغبة الصادقة لصياغة وتأطير هذه العلاقات، وأسهمت الحادثة الإرهابية التي تعرضت لها المدمرة كول وأحداث الـ11 سبتمبر في دفع البلدين بهذا الاتجاه، إلا أنها لن تختزل بالضرورة حاجة البلدين لتطوير شراكة مسؤولة تحفظ مصالحهما الوطنية العليا وتبنى على القواسم المشتركة.