الخميس 21/11/2024
04:42 بتوقيت المكلا
اليمن والشراكة القرن أفريقية الجديدة

في الفترة من 13-15 أكتوبر 2002 التأمت في العاصمة اليمنية قمة صنعاء التي جمعت فخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية اليمنية، وفخامة الرئيس عمر حسن البشير رئيس جمهورية السودان، ودولة ملس زيناوي رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الفيدرالية. وقد عبرت القمة عن رغبة الدول الثلاث في ترقية علاقاتها الثنائية في مختلف المجالات التجارية والاستثمارية والسياسية والأمنية في ظل ظروف إقليمية ودولية غاية في التعقيد والغموض، مما دفع بالدول الثلاث إلى التفكير في إقامة إطار يوحد رؤاها حول المسائل المرتبطة بمصالحها، ويؤسس لكيان قرن أفريقي وشراكة جديدة.

وقد خرجت القمة بقرارات هامة شملت الجوانب الثنائية والإقليمية والدولية ونالت اهتماما إعلاميا واسعا، وأثارت تساؤلات لدى بعض الأوساط في المنطقة عن أهدافها ومقاصدها.

وقفت قمة صنعاء أمام التعاون الثنائي بين الدول الثلاث ووجهت بتفعيل الاتفاقيات المبرمة بينها، وجعل كافة الاتفاقيات الثنائية تمتد إلى الأطراف الثلاثة، بما يحقق التكامل الاقتصادي بين دول وشعوب المنطقة، وركز خطاب القمة على القضايا الإقليمية والدولية التالية:

تفعيل الاتصالات الثلاثية والتنسيق المشترك لبناء علاقات تكاملية إقليمية متطورة. واتفق الجانبان الأثيوبي واليمني على رفع مستوى التمثيل في اللجنة الحكومية المشتركة إلى مستوى وزيري الخارجية.

التأكيد على دعم منظمة الايغاد وجهودها لتحقيق السلام في السودان , والترحيب باتفاق مشاكوس. كما استعرضوا جهود المصالحة الصومالية، وأشادوا بالدور الإثيوبي على المستوى الإقليمي من اجل حل الخلافات بالحوار والطرق السلمية.

جدد القادة إدانتهم الكاملة لكافة أشكال الإرهاب باعتباره يهدد الأمن والاستقرار القومي والإقليمي والدولي، واتفقوا على بذل الجهود الذاتية والجماعية لمواجهة التحديات التي يثيرها الإرهاب في المنطقة.

وتنفيذا لتوصيات قمة صنعاء التأمت في الفترة 4-5 نوفمبر 2002 اجتماعات وزراء خارجية دول تجمع صنعاء في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وتوصلت الاجتماعات إلى تشكيل لجان ثلاث تعنى بدفع التعاون الثلاثي في المجال السياسي، والأمني، والتعاون الاقتصادي والثقافي. وأوصى الاجتماع اللجان الثلاث بتقديم خطط عملها إلى الاجتماع القادم.

وتواصلت اجتماعات وزراء الخارجية في العاصمة السودانية، فخلال الفترة من 10-14 فبراير 2003 انعقدت الدورة الثالثة لاجتماعات وزراء خارجية اليمن وإثيوبيا والسودان، وكان من بين ابرز مقرراتها تشكيل سكرتاريات دائمة في كل عاصمة من العواصم الثلاث للجان المنبثقة عن التجمع، بهدف تخصيص الاهتمام بكافة القضايا التكاملية بين دوله، ومن هنا فقد اُختيرت العاصمة اليمنية لتكون مقرا لسكرتارية اللجنة الاقتصادية والثقافية للدول الثلاث.

لقد تركز هذا الجانب من البحث في تناول ظاهرة تجمع دول صنعاء باعتبارها نواة للتعاون الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي. فالعالم من حولنا يتجه بسرعة نحو التجمعات والتكتلات الإقليمية , والتفكير بشكل جماعي من اجل مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، فهنالك متغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية متسارعة تحتل مكانها في قلب الأحداث، ولذلك اتجهت الدول الثلاث نحو البحث عن مخرج لمواجهتها يتمثل في العمل المشترك من اجل تحقيق التنمية والأمن والاستقرار الإقليمي في المنطقة.

إن ما يجري من مساعي اقتصادية تكاملية وتنسيق سياسي وأمني يهدف إلى إرساء مداميك قوية لبناء منطقة القرن الأفريقي على أسس جديدة تؤكد على القيم الكونية لعالمنا المعاصر قيم بناء الأسواق التكاملية الكبيرة، وبناء نظم مؤسسية تحترم حقوق وكرامة الإنسان، وتعتمد الديمقراطية والتعددية السياسية أسلوبا لإدارة شؤونها الداخلية وإدارة علاقاتها الإقليمية والدولية، وتنبذ العنف، وتسعى لضمان الاستقرار والأمن الإقليمي، والإسهام في إرسائه.

ومن هذا المنطلق جاء التقارب بين الدول الثلاث ( اليمن، السودان، إثيوبيا ) واتفقت بقناعة في قمة صنعاء على ترقية وتوثيق أوجه التعاون والشراكة فيما بينها، بما يسهم بصورة أساسية وفعالة في تحقيق الرفاهية لشعوبها، وترسيخ الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي ومنطقة جنوب البحر الأحمر.

أن تطوير التعاون بين دول تجمع صنعاء لا يعد أمرا غريبا بل هو يسير في إطاره الطبيعي، ولا يمكن قرأته بأنه موجها ضد دولة في المنطقة، بقدر ما يمثل نقله نوعية نحو تحقيق الشراكة والتكامل بين الدول الثلاث، كمقدمة للشراكة الإقليمية. لقد سعت اليمن ومازالت من اجل حل الخلافات بالطرق السلمية وترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة.

أن بيان قمة صنعاء شكل قاعدة أساسية لعلاقات التعاون والتقارب بين جميع دول الإقليم، وهو تجمع مفتوح على احتمالات ضم جيبوتي والصومال إليه مستقبلا، لان ظروف العولمة، والجهود الدولية لمكافحة الإرهاب تستوجب تظافر جهود دول القرن الإفريقي لحماية كياناتها وسيادتها وسيطرتها على مقدراتها وحماية مصالحها المشتركة.

وسنتناول فيما يلي العلاقات اليمنية بكل من السودان وإثيوبيا:

 

 

جمهورية السودان:

شهدت العلاقات اليمنية السودانية تطورات هامة خلال العام المنصرم. وشكلت مشاركة فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية اليمنية في احتفالات الشعب السوداني بالذكرى الـ 13 لقيام ثورة الإنقاذ في يونيو 2002 دفعة قوية لعلاقات الأخوة العميقة. وخلال أكتوبر الماضي زار الجمهورية اليمنية فخامة الرئيس عمر حسن البشير للمشاركة في احتفالات اليمن بذكرى الثورة، والقمة الثلاثية اليمنية السودانية الإثيوبية. وشارك رئيس مجلس النواب في اجتماعات الاتحاد البرلماني العربي الذي عقد دورته في العاصمة السودانية، كما أسهمت الزيارة في تطوير العلاقات البرلمانية بين البلدين الشقيقين. وكانت اللجنة الحكومية المشتركة قد عقدت دورتها في العاصمة اليمنية خلال شهر يناير 2002 وأقرت العديد من الاتفاقيات والمحاضر والبرامج التنفيذية التالية:

اتفاقيات التعاون الإعلامي، والتعاون في مجال الثروة السمكية، وبروتوكول التعاون في مجال الشباب والرياضة.

محضر اجتماعات رجال الأعمال.

البرنامج التنفيذي للتعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، وفي مجال الثقافة، وفي مجال الوثائق، وشؤون المغتربين، والتنسيق بين وزارتي الخارجية.

حجم التبادل التجاري مع السودان للأعوام 98-2001 ( القيمة بالمليون ريال )

الميزان التجاري

الصادرات

الواردات

العام

1151.0-

52.8

1204.5

1998

2534.6+

3525.3

990.7

1999

1486.5+

4093.2

2606.7

2000

505.8-

421.7

927.5

2001


جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الفيدرالية:

ترتبط اليمن بجمهورية إثيوبيا الديمقراطية الفيدرالية بعلاقات تاريخية متميزة موغلة في القدم، ويعيد التاريخ المسجل في البلدين والأساطير المحكية هذه العلاقة إلى ممالك اليمن وإثيوبيا الغابرة. إلا أن رصد العلاقات التاريخية يمكن أن يعود بنا إلى القرن السادس الميلادي، ويعتقد تحديدا إلى العام 518م . وتؤكد المصادر التاريخية بأن اليمن ارتبطت بعلاقات مع بلاد جوندار القديمة منذ القرن السابع عشر للميلاد. أما العلاقات السياسية فتعود إلى 24 مارس 1934 عندما وُقِعت أول اتفاقية بين البلدين، ونصت بمنح مواطني البلدين بعض المزايا المشتركة، مثل حق ممارسة التجارة والتنقل الحر في بلد كل منهما.

وشهدت العلاقات بين الدولتين نموا مضطردا بعد قيام الجمهورية اليمنية، وتولى الجبهة الثورية لشعوب إثيوبيا مقاليد السلطة في إثيوبيا. وأسهمت التطورات والمتغيرات اللاحقة التي شهدتها المنطقة في ترجيح الاتجاهات المشتركة لتطوير العلاقات الثنائية إلى مستويات متقدمة من التعاون والتنسيق في المواقف المشتركة إزاء ما يجري على المستويين الإقليمي والدولي.

وخلال العام المنصرم شهدت العلاقات الثنائية دفعة قوية تمثلت في الزيارة الهامة التي أجراها دولة ملس زيناوي رئيس الوزراء الإثيوبي لبلادنا في أكتوبر الماضي تلبية لدعوة من فخامة الأخ الرئيس، للمشاركة في احتفالات الشعب اليمني بأعياد الثورة، والمشاركة في اجتماع دول تجمع صنعاء إلى جانب الرئيسين اليمني والسوداني. وأسهمت الزيارة في تفعيل العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والأمنية.

من جانب أخر قام الأخ د. ابوبكر عبد الله القربي وزير الخارجية بزيارة إلى أديس أبابا في يوليو 2002 نقل خلالها رسالة خاصة من فخامة الأخ الرئيس إلى أخيه رئيس الوزراء الإثيوبي تتعلق بالتنسيق والتشاور حول القضايا الثنائية والإقليمية والدولية التي تهم البلدين الصديقين. كما زار معالي وزير الخارجية أديس أبابا بداية شهر نوفمبر الماضي للمشاركة في اجتماعات وزراء خارجية دول تجمع صنعاء.

كما أجرى وزير الخارجية الإثيوبي سيوم مسفن زيارة عمل للجمهورية اليمنية نهاية شهر أغسطس 2002 أسهمت في التحضير لزيارة رئيس الوزراء الإثيوبي لبلادنا. وخلال النصف الأول من شهر يوليو 2002 انعقدت في العاصمة اليمنية أعمال الدورة الثالثة لاجتماعات اللجنة الحكومية المشتركة، حيث أبرمت العديد من الاتفاقيات في مجال تشجيع وحماية الاستثمار، والزراعة والثروة الحيوانية، والتدريب الفني والمهني.

حجم التبادل التجاري مع إثيوبيا للأعوام 98-2001 ( القيمة بالمليون ريال (

الميزان التجاري

الصادرات

الواردات

العام

993.3-

94.3

1080.6

1998

551.1-

671.8

1222.9

1999

295.1+

951.5

656.4

2000

291+

1145.2

855.2

2001


أن الشراكة القرن افريقية الجديدة الذي شهد العام 2002 صياغة خطوطها الأولى تعني شراكة تضم 110 مليون نسمة وناتج إجمالي يصل إلى 30 مليار دولار سنويا. الأمر الذي يستدعي تركيز كافة الجهود لإحياء هذه المنطقة التي طالما كانت ملاذا للفوضى والاضطرابات السياسية. إن صانع القرار السياسي اليمني يعتبر أن مهمة التكامل الإقليمي القرن أفريقي هي عصب النجاة لهذه المنطقة التي تحمل في طياتها تباشير القوة والتقدم والنجاح ، فهذه المهمة الاستراتيجية في النظرة اليمنية لمستقبل الإقليم تحتاج إلى المثابرة والتصميم للإبقاء على وهج التكامل والتعاون ضمن مفاهيم الشفافية والصراحة والمكاشفة والصدق في الاتصالات الثلاثية والتعامل الجدي لإجلاء مصادر قلق الشريكين الإثيوبي والسوداني. ومن هنا ينبغي التركيز على:

 تقوية علاقات التعاون الاقتصادي والمالي والتجاري وتكاملها على الصعيد الثنائي والجماعي والإقليمي والدولي ووفقا لقواسم عمل مشتركة متكاملة ومنسجمة في شكلها ومضمونها بضمان قوة دفع القيادات السياسية على أعلى المستويات.

 تطوير آليات التنسيق المشترك السياسي والدبلوماسي، وإبراز عناصر سياسات الاعتماد المتبادل وتسخير إمكانيات كل دولة لخدمة التوجهات الجماعية ولخدمة أهداف التعاون والتنمية الإقليمية.

تحديد مصادر التمويل الرسمي الخارجي والداخلي، وتحفيز قطاع رجال الأعمال في الدول الثلاث للاستثمار البيني وتمويل المشروعات المشتركة.

عقد اتفاقيات مشتركة في مجالات الاستثمار وحمايته والتجارة ومكافحة التهريب والغش التجاري وتجارة المخدرات وغسيل الأموال وتنسيق الإجراءات والترتيبات الجمركية والضرائبية، الأمر الذي من شأنه خلق ظروف جاذبه للاستثمار في المنطقة.

تبادل التجارب في مجالات الإصلاح الاقتصادي واستراتيجيات التنمية.

تنسيق السياسات المالية والنقدية واعتماد مبادئ التحرر الاقتصادي، وإنشاء مؤسسات مالية مشتركة، من خلال جهود قطاع رجال الأعمال في الدول الثلاث.

إنشاء مشروعات مشتركة بدعم من الدول الثلاث وبتنفيذ من قطاع الأعمال في مجالات الاتصالات والطرق والنقل البحري والجوي والمياه والمعلوماتية، وتطوير القدرات البشرية والإدارية والأمن الغذائي والبحث العلمي.

التعاون في المجالات السياسية وتطوير أنظمة الحكم باعتماد مبادئ الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية واحترام حقوق الإنسان، والتسامح الديني والارتقاء بمفهوم الشراكة السياسية.

التعاون في مجالات التنمية البشرية، وإنشاء مشاريع مشتركة في مجالات التعليم والتدريب والتأهيل.

تنسيق السياسة الخارجية في مجالات التجارة الدولية وتشجيع التجارة البينية وتطوير الأداء المؤسسي الدبلوماسي وإنشاء هياكل للتدريب والتأهيل المشترك، وتطوير القدرات الدبلوماسية لخدمة المصالح المشتركة والمصالح الوطنية العليا للدول الثلاث.

ولا ينبغي أن نترك هذا الموضوع دون الإشارة إلى أن عود الشراكة اليمنية الإثيوبية السودانية ما يزال طريا، الأمر الذي يستدعي تواصل الجهود لتقوية المبادرات لتطويره والقيام بمراجعة جادة لما تم حتى اللحظة لتتمكن الدبلوماسية اليمنية من تقديم مبادرات تفعيلية جديدة.

 


  • إقرا ايضاً